هذه القصة القصيرة من إبداع القاصة السورية علياء الداية
و التفت سائق الحافلة الصغيرة (الميكرو) ممازحاً الشرطى على الطرف الآخر :تسجيل مخالفة ؟ لا لن تفعلها يا صديقى ! ابتسامات متبادلة هنا و هناك ، بينما يقبل الشاب فى عمق الحافلة مجاوراً للنافذة الخلفية : أتراها تنازع الموت الآن ؟ كان هذا هو اليوم الأخير من امتحانات الفصل الاول ، و هو الشاب مسكون بهواجس مرض خطيبته المفاجىء الذى أقعدها عن التقدم لامتحاناتها فى الكلية ، و هى طريحة المشافى وسط حيرة الاطباء ، سلم الشاب الليرات الخمسة الى الجالس أمامه ، لتمضى بين الاكف و تصل الى المعاون فالسائق .
سأبقى اليوم جالساً الى نهاية الخط ، محاولاً النسيان مع تدفق الطريق ، من يدرى لعلك زهرة تمضى الى آخر المطاف ، حيث الزبول كما كل أزهار العالم (زبول سريع ) تتهادى الحافلة فى الطريق المستقيم متوقفة تارات كثيرة لإستيعاب المزيد من الطلاب المندفعين الى مقاعد شاغرة تحتويهم ، و مع أنها الظهيرة فإن الفرحة بالتخلص من هموم دارسية تكسبهم ألقاً احتفالياً عند إشارة المرور الأولى بداأن الحافلة مستعدة لاستكمال الطريق بلا توقف هذه الفكرة تبدو متناسبة مع تكهنات العرافة ( تستمر فى طريقك سائراً بلا توقف ) و مع أنه لم يستطع التذكر أية عرافة هذه ، و أين سبق سمعها ،فإنه غاص تدريجياً فى عالم الاشارات البعيدة مسلماً عنانه الى بحر عميق على طرف بعيد فى مواز للسماء التى تظهر بين الأبنية زرقاء موشاة بغيوم هل قالت له العرافة أيضاً ( سماءك زرقاء بغيوم بيضاء ، بعضها كالح اللون ! لن يخلو دربك من إشارات أربع ! كم إشارة عبرنا حتى الآن فى هذا الخط ؟ ما أشبه كلمة الخط بالحظ ! نقطة تنتقل من حال الى حال ، يكبر العالم أكثر فأكثر فيترائى له كل شىء بهيئة عرافة تتلفع بكل الألوان تقول له مجدداً ( البداية خضراء نضرة و النهاية جرداء كالفقر) لعلها نسيت أن تضيف ( كالزهرة تماماً ) و تمضى الحافلة و قد أخذت الاشجار تتناقص بالفعل مع الاقتراب أكثر فأكثر من مراكز الأبنية الشعبية المكتظة بالسكان ، لا مكان للأشجار هنا الا ما ندر ! و تقفز الحافلة مع مطب جديد غير متوقع ، فيهتز الركاب و تتفاوت ردود أفعالهم بين الضحك و التذمر ، يعود صوتها عفية تهز كيانك تراها كانت تقصد هذا المطب أم المرض ، و كيف لى أن أسألها أنذاك ؟ عينا الشاب النافذتان عبر النافذة تكادان تغمضان الا يكفيه هذا الانهاك النفسى و الذهنى ! الامتحان اليوم كان وفق الطريقة الجديدة : خيارات متعددة . لعل العرافة تقتدى بالشكل الجديد هذا تتطور الى خيارات و احتمالات تتخلص من الغموض ! ( أمامك طرق كثيرة ستختار واحداً بلا شك )لكنها لم توضح متى تأتى هذه الطرق بعد أي إشارة ؟ أعتقد أن السائق هو الذى يختار الطريق المناسبة المختصرة ، حتى لو كانت مخالفة للخط الرسمى ! و لكن هل أخالف بذلك خط العرافة ؟ و حظ الزهرة ؟
ماذا تقول العرافة مع قرب وصولنا الى نهاية هذا الخط ؟( ستنتهى و تفقد طعم الحياة عندما تأتى النهاية ، الارتطام ، الخارج على قوانين الحساب ) ما هذا ! واحد اثنان ثلاثة .......كم خطوة بقيت أمام الحافلة لتصطدم بتلك السيارة المسرعة ....المخالفة ! أيتها العرافة هل تتقمص روحك تلك السيارة ، الآلة ؟ ماذا قصدت بالنهاية ؟ نهاية الزهرة ؟ أم نهايتى ؟ كم احتمالاً بقى ؟ هل أنجو أنا ؟ زهرة ؟ أين الشرطى ...السائق ، و بقية الركاب .!
