جاء البارون ادوارد لويس جوزيف امبان الى مصر عام 1905يحمل معه مشروع انشاء مدينة سكنية بمنطقة كانت تعرف باسم واحات العباسية او هيليوبوليس و تقدم الى الحكومة المصرية هو و صديقه الارمنى نوبار بالفكرة التى تمت الموافقة عليها فوراً و يرجع اختيار البارون لمنطقة العباسية –كما قال- لأهمية المنطقة تاريخياًفقد عاش فيها الفراعنة منذ 4000 عام و اطلقو عليها مدينة الشمس و بعد موافقة الحكومة على المشروع اشترى البارون عدداً كبيراً من الافدنة بسعر جنيه واحد للفدان و أنشأ مترو يصل بين القاهرة و وواحات العباسية التى اطلق عليها اسم مصر الجديدة .
كون البارون بعد ذلك شركة رأسمالها 2 مليون جنيه ، و بدأ فى بناء المنازل على الطراز البلجيكى الكلاسيكى و عرضها للإيجار بمبالغ زهيدة لاتتناسب مع فخامة المنازل التى تحيطها مساحات كبيرة من الحدائق ، كما أنشأ فندقاً ضخماً شاخصاً سماه فندق هيليوبوليس تم ضمه لقصور رئاسة الجمهورية و لحسن التخطيط و التنظيم تحولت واحات العباسية تلك المنطقة الصحراوية على حدود القاهرة الى مدينة سكنية رائعة زاخرة بالابنية الفاخرة و المتاجر الراقية و دور السينما والمسارح و قرر البارون انشاء قصره وسط المدينة السكنية التى شيدها و كان قصراً اسطورياً استغرق بناؤه 3 سنوات و قد أعدت كثير من أجزاؤه فى الهند و تم تركيبها فى مصر ليعيش البارون فى مصر حتى وفاته بعد صراع مع المرضفى فرنسا و القصر قام بتصميمه الفرنسى الكسندر مارسيل بطريقة هندسية لا تحجب عنه الشمس طوال النهار فجميع ردهاته تدخلها الشمس فضلا عن روعة العمارة الهندية و الشرفات المحمولة على ظهور الفيلة و العاج المنتشر بالداخل و الخارج و قد استخدم فى بناؤه المرمر و الزجاج البلورى البلجيكى الشهير و الرخام الايطالى ، و كان يزين بالتماثيل الحجرية و واجهته و برجه غنيان بالنقوش ذات القيمة العالية و قد تناثرت العديد من الاساطير حول هذا القصر شأنه شأن أى مكان مهجور و خاصة مع ما يتردد من أن صاحبه البارون الذى توفى عام 1946 أوصى ان يحرق جسده بعد وفاته ، و ان ينثر فى القصر على الطريقة الهندية و هناك من يزعم أن ذلك حدث بالفعل و فور موت البارون نقل جثمانه الى القاهرة و نثر رماده فى القصر فى حضور رجال و بشاوات مصر وهذا كان سبباً مباشراً فى انتشار الاساطير حول المبنى و يروى سكان المنطقة المحيطة بالقصر كيف نجح الجان فى تطفيش كل من يحاول استغلاله من الملاك المتعاقبين الذين فشلو فى هدمه او تحويله الى فندق ، كما يحكى البعض عن الحفلات الصاخبة التى يسمعون ضجيجها من الخارج فضلاً عن الاضواء الحمراء و الخضراء التى يشاهدونها كل يوم فما هى حقيقة قصر البارون و لماذا يقف الجميع عاجزاً عن استغلاله او ترميمه ؟!
القصر تود لو تتامله لساعات حتى تدع لخيالك العنان لتخيل ما بداخله فمنذ الوهلة الاولى تشعر أنه خرافى التصميم و حديقته الواسعة ذات القواعد الخالية من التماثيل تسمح لك بتخيل ما كانت تضم بين اشجارها و زهورها و نباتاتها ذات الالوان رائعة الجمال التى استودها البارون من الهند و كل دول العالم ......مجموعة من المنحوتات الرائعة حيث يستقبلك تمثال برونزى لنسر ينقض على شاب قوى و يحاول الفتى أن يدافع عن نفسه و يعطى ظهره للقصر ....بوابته التى امتزج فى صنعها الزجاج البلورى مع البرونز تخطف عينيك و خيالك و تشعر أن الجان حقاً هم من سيفتحون لك تلك البوابة ....خطوات قليلة لتجد نفسك أمام بهو كبير يضم ثلاث قاعات استقبال يتوسطها سلم يلتف فى شكل يكاد يكون دائرياً مصنوع من الرخام و على أسواره نقوش من الصفائح البرونزية المزينة بتماثيل هندية تلتف على جانبيه مصنوعة من الذهب و البلاتين و البرونز مثلها مثل بقية التحف الثمينة و التماثيل المختلفة النادرة التى تملأ أرجاء القصر ، و قد جمعها البارون من شتى انحاء العالم من أبرز التحف التى يضمها القصر بين جدرانه ساعة أثرية قديمة لا يوجد مثلها الا فى قصر بكنجهام و توضح الوقت بالدقائق و الثوانى و الساعات و الايام و الشهور و السنين و درجات الحرارة و و تغيرات اوجه القمر ، و يضم الدور الاول قاعة معيشة و قاعتى استقبال و غرفة البارون هى غرفة فخمة للغاية تحتوى على لوحة كبيرة تمثل كيفية عصر العنبو تحويله الى خمر ثم شربه حسب التقاليد الرومانية ...و تتابع مشاهد اللوحات التى تصور ما يحدثه الخمر و تأثيره على العقول و هناك قاعة المائدة التى تضم رسوم متعددة مأخوذة عن مايكل أنجلو و ليوناردو دافنشى و رامبرانت و فى كل ركن من أركانها عمود يحمل تمثالاً من التماثيل الهندية أما الدور الثانى فيتكون من أربع غرف نوم و غرفة معيشة مغطاة جميعها بالباركيه و بكل غرفة حمامها الخاص الذى تكسو جدرانه بلاطات مصنوعة من الفسيفساء ذات الالوان الزرقاء و البرتقالية و الحمراء فى تشكيلات لونية رائعة ، مرة أخرى تصعد درجات السلم المصنوع من خشب الورد الفاخر فيصل بك الى سطح القصر و هو منظر خرافى آخر حيث يشبه الكافيتيريا و يضم موائد كثيرة و باراً بينما نقشت على جدران السقف نقوش نباتية و حيوانية و كائنات خرافية و مسرح مصنوع من الرخام ....و بمجرد أن تقف هناك تشعر أنك وسط جمع أو حشد كبير من الأشخاص ذوى الياقات البيضاء ينتقل خيالك ثم يعود بك من عصر الى عصر آخر بين لحظة و أخرى ! ، و يؤكد الدكتور مختار الكسبانى أستاذ العمارة و الآثار الاسلامية بجامعة القاهرة بأن هذه القصر يمثل تراث الدولة المغولية الهندية الذى بدأ ينتقل الى بعض البنايات التى أقيمت فى مصر خلال القرنين التاسع عشر و العشرين ، و هى الفترة المعروفة بظهور التراث التلقيطى الذى يجمع بين فنون من مختلف الطرز المعمارية و الفنية العالمية الجديدة و القديمة ، و قد استهوى هذا الطراز الهندى البارون و عاش بالقصر حتى وفاته .
و يشير الدكتور يحى الزيتى أستاذ العمارة بكلية الفنون الجميلة إلى أن القصر من أوائل القصور التى شيدها البارون فى مصر الجديدة ، و قد بناه على مساحة 5 أفدنة مستعيناً بالمهندس الفرنسى الشهير ألكسندر مارسيل 1860-1920 و المعروف عنه انه بارع فى دراسة الطرز و الخلط بين الغربى و الاسيوى فالقصر خليطاً مستلهم من طراز معابد انجوكور فى كمبوديا و لاوس فى جنوب شرق آسيا و يقول د\ الزيتى السرعة فى انشاء القصر كانت السبب فى أن تكون التماثيل و الحلى كلها مصنوعة من المصيص و ليس نحتاً بارزاً و على الواجهات تماثيل تمثل آلهة العقيدة البوزية ....أما القصر فيحتوى على تماثيل من المرمر و الرخام الايطالى المختلفة و للأسف نهب منها ما نهب و تحطم منها الكثير ، يضيف و قد استخدم الرخام فى الدرج و التراسات حول القصر التى يتميز بنائه على أحدث تقنينات فقد استخدم فيه الغاز الطبيعى و العديد من الوسائل الحديثة و عندما زارت القصر احدى الجامعات الامريكية وصفته بأنه عمل خارق .
