كانت الشمس ساطعة سطوع الذهب الأصفر عندما يعكس سقوط الضوء عليه ، استيقظت الفتاة من حلمها الطويل لترى النور بعنيها يتخلل شقوق الكوخ الخشبى الذى تعيش فيه وحدها ... منذ شهور فوق جبل فى أعماق الادغال ،لقد تعودت على هذه الوحدة و الوحشة فى عالم الظلمات و لم تعد بحاجة لأحد ،لكنها أحست بشىء غريب لم تكن تدرى ما هو ...قررت النزول ،لقد كان شيئاً عسيراً عليها و هى تتسلق هذا الجبل العالى تاركة أحلامها الضائعة تتشبث بالصخور الصلبة ...كانت ترتجف رجفة المذعور ،بعد عناء شديد وصلت للنهاية ...لم تصدق عيناها حينما رأت إنساناً لقد كادت ان تنسى تلك الوجوه الآدمية ...سقطت فى الحال مغشى عليها ،عندما أفاقت وجدته جانبها همت بالهروب لكنه أوقفها و حاول طمأنتها ...لم تهدأ الفتاة الا عندما سمعت صوت غناءه العذب فجلست و ظلت تسمعه ...لم تكن تعى معنى كلماته ؛لكنها تحسها بقلبها ...بعد قليل أخرج من حقيبته طعاماً و أعطاها منه لم تكن تألف هذا المذاق من قبل ...لقد رأى فيها مثال البراءة الانسانية المفتقدة و شعرت فيه بالحنان الذى لم تجده فى حياتها قط ، حينما أقبل الظلام تركته مسرعة لكوخها الصغير ،استيقظت فى الصباح على صوته فقد كان قريباً من كوخها ،عندما نزلت لجمع بعض ثمار الغابة وجدته يقتفى أثرها ، تعلم منها حياة الغابة ...ذهبو معاً لنبع الماء العذب ملأت اناء ليشربا منه يشبه الاوانى البدائية لم تستطع النظر فى صفحة الماء أغلقت عيناها الاثنين و هى تميل لملىء الاناء ،عندما حل المساء ذهبت مسرعة لكوخها ...مرت الايام و أصبح الفنان يعزف على أوتار قلبها و يلون لوحات حاضرها بلألوان الساحرة ...ابتكرو لغة للحوار بينهم ،تشاركو معاً فى كل شىء ...حل الشتاء بعواصفه و برده القاسى أخذته معها فى الكوخ الصغير و أعطته من جلود الحيوانات ليحمى نفسه من سيوف الشتاء ...استيقظت من أحلامها لتراه بعينيها مسحوباً بين تلك الأيادى الغادرة لم تكن من هؤلاء و لما أخذوه لم تستطع حتى النزول من كوخها للدفاع عنه ... انتظرته كثيراً حتى جاء المساء لم تراه بجانبها قررت الرجوع مرة أخرى للجبل ووحشته لكنها لم تستطع لقد فارقت هذه المرة قلبها معه سقطت قبل الوصول للقمة لتعلن مفارقتها للحياة تردد صدى صوتها فى أذنيه لقد أحس فجأة برجفة شديدة داخله و كأن قلبه ينتزع بقوة حطم قيوده فى هذا الصمت الموحش الذى يرن فى أذنيه كالصخب القاتل ذهب يبحث عنها و عندما صعد الجبل رأى بعينيه النهاية و هى ملقاة على الاارض بلا حياة ...مرت حياته معها كعرض مؤلم لذكريات القلب المجروح و صار انين صوتها يصرخ فى أذنيه ...لم يستطع الصمود ألقى بنفسه من فوق القمة فسقط عند القاع مفارقاً الحياة هو الآخر و نزلت دموع الشتاء الغزيرة على جسميهما ،و ازداد الشفق حمرة ...تراكمت فوقهما الثلوج فحفظتهما حيناً من الزمان على نفس الهيئة ...انتهى الشتاء و رحلت الثلوج و انتهت الحياة فى هذا المكان الموحش و ظلت قلوب العاشقات تتقابل ، تتعانق فى هذا الكوخ .